تزخر الصّحراء السّعودية بالكثير من الآثار التّاريخية التي خلفتها الحضارات القديمة، فالمملكة العربية السّعودية هي أيضاً محطة من محطات الحضارات القديمة التي سكنتها وتركت خلفها آثاراً كثيرة، كالقصور والمقابر والمعابد والأضرحة كشاهدٍ على هذه الحضارات، فإلى شمال شرق السّعودية سنختار منطقة الجوف، وهي منطقة صحراوية مشهورة فهناك العديد من الآثار والمناطق التي يقصدها الزوار لزياراتها واكتشافها، ومن أبرز هذه الآثار هي آثار الرّجاجيل.
تقع آثار الرجاجيل جنوب شرق منطقة سكاكا بمسافة اثنين وعشرين كيلو متراً تقريباً، وهي من أقدم الآثار التاريخية في صحراء الجوف السعودية، وآثار الرجاجيل عبارة عن أعمدة حجرية منتصبة ومتناثرة على شكل مجموعات، وهي عبارة عن خمسين مجموعة كل مجموعة تحتوي على ثلاثةٍ إلى عشرة أعمدة حجرية مختلفة في الطول والعرض، فبعض الأعمدة يصل طولها إلى ثلاثة أمتارٍ ونصف المتر تقريباً ويبلغ عرضها أو سماكتها ستين سنتيمتراً، وسُميت هذه الآثار بهذا الاسم تشبيهاً للعامود بالرجل الواقف، والأعمدة كثيرة تماماً كالرجاجيل باللهجة المحلية.
أشارت الحفريات التي اكتشفت هذا الموقع التّاريخي بأن تاريخ هذه الآثار يرجع إلى عهد الحضارة التشالكوليثية التي قامت سنة أربعة آلاف قبل الميلاد، حيث يغلب عليها العصر الحجري المعدني، فهناك كتابات منقوشة على هذه الأعمدة الحجرية المنحوتة من الصخر الرملي وترجع إلى الكتابة الثمودية وبعض النقوش المبهمة الأصل لا يمكن ترجمتها، ويمكن تشبيه هذه الأعمدة بآثار ستون هينغ الموجودة في قرية أفيبري جنوب بريطانيا.
كما ذكرنا تتكون هذه الآثار من خمسين مجموعة من الأعمدة الحجرية في دائرة غير منتظمة يبلغ قطرها ثمانمائة متراً تقريباً، وهذه الأعمدة الحجرية منها المنتصب فوق الأرض والبعض منها محطم وملقى على التراب، ويبقى سرّ هذه الأعمدة الحجرية من الأسرار التي لا يمكن تفسيرهان ولكن هناك فرضيات تحدثت عن هذه الأعمدة، حيثُ ذكرَ البعضُ إن آثار الرجاجيل هي عبارة عن شواهد لقبور أحد الأقوام القديمة.
ويقولُ آخرونَ إن الموقع عبارة عن مكان مخصص لتقديم القرابين للآلهة كما هو سائد في الحضارات القديمة كطقوس عقائدية، والبعض تخيلها كبقايا أسوار لقرية قديمة مكشوفة الأجزاء، ومن الفرضيات الأخرى تم بناؤها لغايات الرصد الفلكي ودلالات مواقع النجوم، ومنهم من رأى بأنها مجمعٌ أو مركزٌ ديني تجتمع فيه كل قبيلة أو شعب في مجموعة واحدة من الأعمدة الحجرية لممارسة طقوسها الدّينية، فالتّكهنات كثيرة، ولكن سيبقى سرها مبهماً إلى القيام بأعمال حفريات وتنقيبات جديدة حول هذه الآثار القديمة.