تُمثِّل آيا صوفيا التي تعني باللغة اليونانيّة: الحكمة المُقدَّسة، صَرحاً معماريّاً دينيّاً تُركيّاً بيزنطيّاً مذهلاً، وضخماً، حيث يقعُ هذا الصَّرح في الجزء الأوروبّي من مدينة إسطنبول، وتحديداً في منطقة السُّلطان أحمدَ،[١] ومن الجدير بالذكر أنّ الرحّالة الشهير ابن بطّوطة كان قد زارها، ووصفَها بأنّها: "من أعظم كنائس الروم، وعليها سورٌ يطيف بها، فكأنّها مدينة وأبوابها ثلاثة عشر باباً، ولها حَرَم هو نحو ميل، عليه باب كبير لا يُمنَع أحد من دخوله...، وهو شبه مشور مُسطَّح بالرُّخام، وتشقُّه ساقية تخرج من الكنيسة، لها حائطان مرتفعان نحو ذراع مصنوعان من الرُّخام المُجزّع المنقوش بأحسن صَنعة، والأشجار مُنتظِمة على جهتَي الساقية".
تُمثِّل آيا صوفيا الفنّ المعماريّ البيزنطيّ، حيث تمّ بناؤها بمشاركة نحو 10,000 عامل، وتحت إشراف مُهندسَين من أصول آسيويّة، هما: إزيدروس، وأنتيموس، ويتِّخذ مَسقطُها الأفقيّ شكلاً مُستطيلاً يبلغ عَرضه نحو 70م، أمّا طوله فيبلغ ما يُقارب 80م، كما أنّ مركز المبنى يأخذ شكلاً مُربَّعاً يصل طول ضلعه إلى نحو 33م، وأعلى هذا الجزء تُوجَد القبّة الضخمة التي ترتفع 54م، وتُحيط بقاعدتها 40 نافذة، بالإضافة إلى وجود قُبّتين تَقِلّان عن القبّة الرئيسيّة في الحَجم، وهما ترتكزان على انحناءَين جانبيَّين يتّصفان بحجمهما الكبير، علماً بأنّ هناك قَبوان مُمتَدّان بشكل مُتعامِد على القبّة الضخمة. وممّا يجدرُ ذِكره أنّ المبنى، والقبّة، يتزيَّنان بأنواع الرُّخام ذي الألوان المُتعدِّدة، ويكسو أرضيّاته البلاط المُلوَّن من الموزاييك بتصميم هندسيّ جذّاب.
بُنِيت كنيسة آيا صوفيا في العام 537م، بطَلَب من يوستينيانوس الأوّل الإمبراطور البيزنطيّ آنذاك؛ كي تكون صَرْحاً رئيسيّاً للدولة المسيحيّة البيزنطيّة، ومَعلَماً مُدهشاً للعاصمة (القُسطنطينيّة)، حيث مَثَّلت حينها رمزاً معماريّاً دينيّاً ليس له مثيل، فكانت دلالة مُهمّة على قوّة الدولة الرومانيّة الشرقيّة، ومن المهمّ بمكان ذِكر أنّ هذا الصَّرح ظلَّ يُستخدَم على أنّه كنيسة حتى العام 1453م؛أي إلى حين دخول القائد العُثمانيّ الشهير محمد الفاتح إلى المدينة، فجعل من آيا صوفيا مسجداً، وجامعاً إسلاميّاً يرمزُ إلى هيمنة الدولة العُثمانيّة، وقوّتها، وبدأت تُؤدَّى فيه العبادات الإسلاميّة، كالصلاة، واستمرَّ الحالُ على ذلك حتى عام 1923م؛ حيثُ انهارت الخلافة العُثمانيّة، واستلم مصطفى كمال أتاتورك الحُكم في البلاد، فأنشأ جمهوريّة علمانيّة، وحَوَّل مسجدَ آيا صوفيا في عام 1935م إلى متحف يضمُّ العديدَ من التُّحف الإسلاميّة، والمسيحيّة.